“إني خيرتك فاختاري.. ما بين الموت على صدري.. أو فوق دفاتر أشعاري.. اختاري الحب.. أو اللا حب فجبنٌ الا تختاري .. هكذا اشتهرت قصائد الشاعر السوري الكبير نزار قباني , بكونها مفعمة بمشاعر الحب والحديث المطوّل عن المرأة بكل تفاصيلها وتكوينها الروحي والعقلي والجسدي في بعض الأحيان، حتى أصبحت أشعاره عالمًا خاصًا من الرومانسية يلجأ إليه من أراد أن يسبح في بحر الكلمات الحالمة الرقيقة , واليوم نبحر مثلاً في عالم الشاعر الكبير وحياته بما تحمله من مأسي وملاهي :
وُلد الشاعر الكبير نزار قباني عام 1923 في مدينة دمشق ، وتنحدرُ عائلة القبّاني من أسرة عربيّة حجازية ترجع بنسبها إلى الأمام على بن الحسين ذين العابدين , والده كان مالك لمصنع شوكولا، بينما الكاتب المسرحي أبو خليل القباني هو أحد أقاربه. وكان له أختان وثلاث أخوة. وتميزت طفولة نزار بحب البحث والاكتشاف كما برزت موهبته منذ الصغر في فن الرسم، واستمر عشقه لفن الرسم ما بين الخامسة والثانية عشرة من عمره، حتى بدأ حبه ينتقل إلى الموسيقى، إلى جانب عشقه الدائم للشعر.
لن يحتاج من يطالع شعر نزار قباني بذل مجهودًا كبيرًا لاكتشاف مكانة المرأة الخاصة في قصائده، فيبدو أن الله شاء وضع المرأة بشكل خاص في حياته لإخراج كل هذا الكم من الإبداع، ومن المفارقات الطريفة أن يولد نزار قباني ويرى نور العالم لأول مرة يوم 21 مارس والذي يحتفل به بعيد الأم من كل عام. ليس ذلك وحسب بل ربطت نزار قباني بوالدته علاقة حب شديد، ويقال إنها ظلت ترضعه حتى بلغ السابعة من عمره، وفسر بعض علماء النفس كثرة استعماله كلمة “نهد” في أشعاره بتأثره بطول فترة رضاعته، كما ظلت والدته تطعمه بيدها حتى بلغ الثالثة عشر، حتى ظن المقربون منه أنه يعاني من عقدة أوديب التي يعشق فيها الابن أمه حتى يغار عليها من والده. حتى كانت أول وأكبر صدمة في حياته حين توفت والدته ، كما عاش نزار قباني تجربة مريرة عندما انتحرت شقيقته بعد أن أجبرتها أسرتها على الزواج من رجل تكرهه، وأشيع بعد انتحارها أنها توفيت إثر أزمة قلبية؛ إلا أن حقيقة الأمر انكشفت فيما بعد، وتحدث نزار قباني عن هذه التجربة قائلًا: “صورة أختي وهي تموت من أجل الحب محفورة في لحمي” وأثرت تلك الحادثة تأثيرًا كبيرًا في الشاعر انعكس بصورة واضحة في قصائده
بدأ نزار كتابة الشعر منذ مراهقته وخلال دراسته فأولى أبياته الشعرية كتبها وهو في السادسة عشر من عمره , وفى عام 44 نشر أول ديوان شعري له بعنوان “قالت لي السمراء”، قصائد هذا الديوان أثارت الكثير من الجدل في المجتمع السوري فقد كان المحتوى جديدا ًعليهم.
تابع نزار دراسته في جامعة دمشق في كلية الحقوق. ثم عمل في السلك الدبلوماسي السوري من عام 45 حتى عام 66، حيث كان سفيرا ً في عدة مدن مثل إسطنبول، ومدريد، والقاهرة ولندن , إلا أن ولعه بالشعر غلب عليه فقرر ترك العمل الدبلوماسي والتفرغ للكتابة
وقد بلغت داواوينه الشعرية 35 ديوان , ومن أهمها “كتاب الحب”، و”مئة رسالة حب”، و”قصائد متوحشة”، و”أشعار خارجة عن القانون”، و”إلى بيروت الأنثى، مع حبي”، و”أشهد أن لا امرأة إلا أنت” و” كل عام وأنت حبيبتي”.
في عام 67 أنشأ نزار دار نشر خاصة به في بيروت باسم “منشورات نزار قباني”، في نفس العام حدثت نكسة حزيران التي هُزمت فيها الجيوش العربية أمام إسرائيل وهو ما شكل نقطة تحول في حياته ولوَن الكثير من قصائده بعد ذلك، وأهمها قصيدته “هوامش على دفتر النكسة” التي سببت منع بث أغنيه وأشعاره في مصر ووصلت حد منعه من دخول البلاد
وعلى أثر ذلك كتب رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر , وقد نجحت هذه الرسالة في مبتغاها وعادت قصائد نزار قباني تتردد في الإذاعة والتلفزيون المصريين، وكان يقول عن هذه الرساله انها “كسرت الحاجز بين السلطة والأدب”
تزوج نزار من قريبة له وهي “زهراء أقبيق” أم ابنه توفيق وابنته هدباء، وكانت تلك فترة انطلاقه نحو عالم الكفاح بشعره وبداية شهرته، فكانت تنهمر عليه اتصالات ورسائل المعجبات وهو ما لم تحتمله زوجته المحافظة فحدث بينهما الطلاق بالتراضي، وفي عقد الخمسينات ارتبط نزار بعلاقة حب مع كوليت خوري والتي وثقت تفاصيل هذه العلاقة في روايتها الأولى “أيام معه”.